هل تفيد ألعاب الذكاء في تحسين قدراتنا العقلية على أرض الواقع؟
نوّهت شركات “تدريب الدّماغ” في إحدى المراجعات المنهجيّة للأبحاث العلمية إلى عدم وجود أدلّة مقنعة على كون منتجاتها تحسّن من عمليّة الإدراك في الحياة اليوميّة.
إذْ يميل النّاس إلى التّحسن في مهام معيّنة اعتادوا ممارستها، فقد توصّل الباحثون أنّ الاعتراف بوجود نتائج جيّدة لبرامج تدريب الدّماغ المحوسبة على نطاق واسع من المعرفة، أو تحسين المهارات الحياتيّة لمستخدميها سابق لأوانه.
(التّحليل والشّرح المفصّل للنّتائج في موقع”سايكولوجيكال ساينس Psychological Science”):
وفي هذا يقول البروفيسور دانييل سيمونز: <<الفكرة وراء “تدريب الدّماغ” هي أنّه عند ممارستك لمهمّة تتطرّق إلى جوهر القدرة المعرفيّة كالذّاكرة، ستحسّن التّمارين قدرتك على أداء مهام أخرى تعتمد أيضًا على الذّاكرة، ليس فقط في المخبر، وإنّما في الواقع أيضًا. وهذه الفرضيّة تعرف أيضًا ب” انتقال التّدريب”>>.وأضاف سيمونز: <<إنْ كنت تمارس لعبة أوراق الذّاكرة ستتحسّن بالفعل في تذكّر أوراق اللّعب، ولكن هل سيساعدك هذا في تذكّر أيّ دواء تتناول؟! ومتى تتناوله؟ هل سيساعدك في تذكّر أسماء أصدقائك؟ لا توجد أدلّة كافية تاريخيًا على أنّ ممارسة مهمّة واحدة تحسّن من مهام أخرى في سياقات مختلفة، وحتى وإن كانت تعتمد على القدرة نفسها>>.
درس الباحثون ما يقارب 132 مقالة صحفيّة أشار إليها مجموعة كبيرة من مؤيّدي “تدريب الدّماغ” لدعم ادّعاءاتهم. أضاف الفريق قائمة بكلّ المقالات الّتي نُشرت على مواقع الإنترنت التّابعة لشركات تدريب الدّماغ الرّائدة الّتي حدّدتها SharpBrains، وهي شركة أبحاث تسويقيّة مستقلّة تتابع الصّناعة.
ويقول سيمونز: <<يتمّ أحيانًا وصف ونشر الآثار المترتّبة على تدريب الدّماغ في العديد من الدّراسات دون أيّ اعتراف بأنّ النّتائج كلّها في الأصل تعود لدراسة واحدة!، وهذا يعطي انطباعًا مضللًا بأنّ الأدلّة الموجودة أكثر ممّا هي عليه في الواقع، ما سيجعل من الصّعب تقييم ما إذا كانت الدّراسة تدعمنا بأيّ دليل حقًا>>.
لقد استخدمت بعض الدّراسات الّتي أجريت على مجموعات خاصّة (كالأفراد المشخّصين بانفصام الشخصيّة، والأطفال الّذين يعانون من التّأخّر اللّغوي، وكبار السّنّ الّذين يعانون من الخرف) كدعم لادّعاءاتها العديدة حول فوائد تدريب الدّماغ للنّاس عامّةً.
إحدى أهمّ المشاكل وأكثرها وضوحاً في الأبحاث المذكورة هي استخدام “المجموعات الضّابطة” بطريقة غير كافية كأساس لقياس التّحسن.
يقول الباحثون إنّ المشاركين في المجموعة الضّابطة لا يشاركون في تجارب الدّراسات، وتتمّ مقارنتهم بالمجموعة المشاركة. وليس من المفترض فقط توافق المجموعة الضّابطة مع المجموعة التّجريبية في الصّفات السّكانية ( العمر، والجنس، والعرق، والدّخل، والمستوى التّعليميّ)، بل يجب على المجموعة الضّابطة أن تشارك على حدّ سواء في التّجربة كالمجموعة الأخرى.
ويضيف: <<يجب على المجموعة الضّابطة أن تجرّب كلّ شيء تفعله المجموعة التجريبية، باستثناء المكوّن الفعال في العلاج. إذْ لابدّ من اشتراك المجموعتين على حدّ سواء، ويجب أن تكون توقّعات التّحسن متشابهةً في المجموعتين، فإذا تحسّنت المجموعة التّجريبية أكثر من المجموعة الضّابطة، هذا يعني بالتّأكيد أنّ العلاج هو السّبب>>.
بعض الدّراسات لا تملك مجموعة ضابطة. وبعضها تملك مجموعة ضابطة ولكن غير فاعلة، كالمجموعة الّتي يمرّ أفرادها بما تمرّ به المجموعة التّجريبية تمامًا من اختبارات ما قبل وبعد التّجربة، ولكنّها لا تشارك بالأمور الأخرى.
يقول الباحثون: <<وجود الاختلاف بين المجموعة الضّابطة والمجموعة التّجريبية في جوانب عديدة يفترض أن يكون التّحسن في المجموعة التّجريبيّة نتيجةً لعامل آخر غير العلاج، إضافةً إلى الاختلاف في توقّعات التّحسن، الأمر الأهمّ من تمارين تدريب الدّماغ نفسها>>.
معظم الأبحاث المذكورة وضعت تجاربها اعتمادًا على مهام مخبريّة مختصرة وبسيطة لقياس مدى التّحسن، بدلَ قياسها على المهام الموجودة في الواقع الحقيقيّ.
يصرّح سيمونز: <<توجد بعض الدّراسات القليلة نسبيًا في هذا المجال الّتي تقوم بقياس مدى التّحسن بصورة موضوعيّة للمهام الواقعيّة الّتي يريد مستخدمو البرنامج تحسينها، وهذا ما تؤكّده موادّ البرامج التّسويقيّة>>.
*البروفيسور دانييل سيمونز: بروفيسور علم النّفس في جامعة إلينوي، قاد التّحليل مع بروفيسور علم النّفس التّعليمي إليزابيث مورو، وزملاء آخرين في جامعة ولاية فلوريدا، وجامعة ولاية ميشيغين، والكليّة المتّحدة، ومجلس البحوث الطبيّة في كامبريدج في المملكة المتّحدة.
0 Comments:
إرسال تعليق